انتهى عصر البرمجة؟!


هكذا ابتدأت سلاسل "تويتر" ومنشورات "لينكدن" فبعد ظهور نماذج الذكاء الاصطناعي المتطورة بدأ المجتمع – كعادته – بـ"التنظير" واستشراف المستقبل ضمن منظور، ووجهة نظر ضيقة للمجال التقني فمعظمهم لم يدرك طريقة عمل المبرمج أو كيفية عمل النماذج اللغوية.

"التاريخ يعيد نفسه"

عودةً إلى القرن التاسع عشر نجد راكبي الأمواج هؤلاء يتصدرون عناوين صحف التايمز فجر عاصمة المملكة المتحدة لندن حين ظهر المحرك البخاري لأول مرة! فتجد عناوين باستبدال البشر ووظائفهم ولا حاجة للبشر بالمصانع – فحتى إن عاد الزمن وطال لن يفنى هؤلاء أبد الدهر! –  لكن الواقع أثبت العكس؛ إذ لم تشهد البشرية عبر تاريخها إقبالاً، على القوى العاملة كما شهدته مصانع لندن، فالأطفال اجبروا على العمل لشدة الطلب. بل إن الجيوش بكل ما حشدته من رجال لم تحشد كما حشده المحرك البخاري! الذي خلق من لندن مدينة للضباب وجعلها أكبر مدينة صناعية بالعالم، فالمحرك البخاري لم ينهي وظيفة العامل بل أعاد تعريفها كما هو حال الذكاء الاصطناعي الآن.

وصولاً للقرن العشرين حينما ظهر هنري فورد صاحب علامة فورد الشهيرة أوجد معه فكرة ابتكارية عظيمة "خطوط الإنتاج" – وكم تبدو الفكرة بديهية في عصرنا الحالي لكنها كانت نقلة نوعية آنذاك – وكعادة المنظرين والمتصحفين تصدروا العناوين باستبدال العامل البشري وانتهى عصر البشرية إلا أن ما حدث كان العكس تماماً فشهدت الصناعة بأمريكا تتطوراً هائلاً ومنه تم تشريع ساعات العمل الرسمية ٨ ساعات وتحسنت الحياة العمالية لمن بالمصانع، بل شهد عدد العمال رقماً تاريخياً آنذاك.

قد تَتساءل: "الذكاء الاصطناعي غير مرتبط بالصناعة بشكل مباشر والبرمجة عملية أتقنها الذكاء الاصطناعي بسهولة بعصرنا" على ذلك قد لا تقنعك أدلتي التاريخية ولعلي أقدم لك دليلاً أخيراً:

حينما ظهرت قواعد البيانات لأول مرة وبدأت البيانات الهيكلية بالظهور على الحواسيب والخوادم بدأ الطلب وبشكل هائل على "مطوري قواعد البيانات" مسؤولي تصميم الجداول والهياكل لقواعد البيانات وتغذية البيانات لها، ولم يشهد تاريخ الحاسب من محاولات لتسهيل واستبدال لعمل مثل ما شُهِد لـ"مطور قواعد البيانات" فلم تكف الأدوات والتطبيقات لتسهيل استخدام قواعد البيانات كي يستخدمها غير التقني، مع ذلك في يومنا الحالي استمرت الشركات بالاعتماد عليهم؛ فالأداة لا تغني عن العقل الواعي للسياق والصاقل للمنظومة، فظهور هذه الأدوات أدى لوظائف جديد بالسوق كمعماري قواعد البيانات ومهندسي البيانات.

الحقيقة التي جهلها العديد من المتصدرين والمنظرين هي الهدف من هذه الوظائف! ما الهدف من مطور قواعد البيانات؟ ما الهدف من مطور التطبيقات؟ ما الهدف من عالم البيانات؟ لماذا سوق العمل يحتاج إليهم؟ لعلي أجيب على تخصص "علم البيانات" فقطعاً السوق لا يحتاج مهارات كـ"بايثون" أو "R" أو حتى "تعلم الآلة" ومهارات "علم البيانات والذكاء الاصطناعي"، فهذه وسائل وأدوات تساعد عالم البيانات إلى الوصول للغاية فهما تحدثت وتغيرت هذه الأدوات واُستبدلت بعضها ببعض فلن تُستبدل الغاية من عالم البيانات أبداً ولن يستبدلها تغير بايثون إلى لغة جديدة أو إلى واجهة زاهية مثل واجهات النماذج اللغوية الضخمة فمثل ما حدث لمطوري قواعد البيانات ومثل ما حدث لعمال المصانع هذا ما سيحدث للبرمجة فمهما تغيرت وتشكلت وتطورت فما هي إلا وسيلة للوصول لغاية وهدف. – ولعل لدى "صالح" أمنية فإن كان لابد من أن يستبدل الذكاء الاصطناعي أحداً فما أتمنى إلا استبدال هؤلاء المتصدرين فأنا على استعداد تام لتطبق المثل الروماني "علي وعلى أعدائي" فقط لسبيل القضاء عليهم! – 

ختاماً: حتى يرث الله الأرض ومن عليها سيظل الإنسان أكبر مصدر للإنتاج مهما تبدلت وتغيرت الأدوات وسيظل المنظرون يتصدرون الإعلام لأن هذه غايتهم وهدفهم البحث عن إثارة الجدل والشهرة، خصوصاً في عصرنا المتسارع سنجد الكثير من الآراء والمقالات المتسرعة المنزوية على وجهة نظر ضيقة تخدم آراء أو أفكار صاحبها فقط بعناوين مثيرة للجدل دون أن تنظر بصورة مكتملة ومنظور أوسع. الذكاء الاصطناعي سيخلق ثورة صناعية جديدة سيخط تطوراً بشرياً آخر ووظائف واحتياج إلى البشر أكبر وأكثر مما قد يستبدل فلن تنتهي البرمجة، بل سنخطو لمرحلة جديدة تعيد تعريف التقنية كلياً، والدليل على ذلك التاريخ نفسه فما هو إلا حلقة تعيد نفسها.


المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دلــــــــــة

تقرير عن معرض المدن الذكية بالعاصمة الرياض 2024

صورتي
صالح الحقيل
المجمعة, الرياض, Saudi Arabia
باحث عن المعرفة، عالم بيانات وقارئ متواضع، وذو قلم كسول. مهتم بالاقتصاد والتقنية. تغريداتي ما هي إلا إنعكاس لآرائي ووجهات نظري الخاصة.