"هلا بصقور نجد"


 

توفي عمي العزيز والغالي حمد بن عثمان الحقيل مساء يوم الثلاثاء الثالث عشر من شوال..

كم كان اسم عمي حمد رناناً في نفسي هيبة ووقارًا، تجول في خاطري عاصفة من الذكريات والمشاعر عنه، جملة كان يقولها لي ولأخي محمد على الرغم أني لم أكن أعرف معناها في ذاك الوقت "هلا بصقور نجد" وكانت أقسى ذكرى لي حينما نزل علي خبر وفاته، صورته تتراءى في مخيلتي وأنا أقبل رأسه وهو يقولها لي ولمحمد أخي.

أتذكر ذاك الفورشينر الأسود المميز على بعد كيلوات فقد كان عمي لا يؤمن بمسارات الطريق إذ أن مقولة خير الأمور أوسطها يطبقها حتى بالطريق، أتذكر يوماً حينما يخرج منها ومعه ثمر العبري ذاك الثمر الذي لم أعرفه وقتها ثم يعرض علي تجربتها وأنا لا أعرف كيف أرفض عرضه ثم اتجهنا إلى المسجد وأخذ يشغل مكبر الصوت ليؤذن العصر وقد صوت أذان عمي خلاباً بالمقامة النجدية ثم نؤدي الصلاة معاً بعد اكتمال جماعة المسجد، كان عمي قدوة لي في الصلوات فصفة صلاتي هي صلاة عمي فهو يجهر بصلاته وذكره لأدعية ما بين الركوع وبين السجود كان ملهماً لي فأقلد ما يقوله فتلك عظيم ما تعلمته منه، كان أول القائمين بمسجدنا المتواضع والساعين له شمال الحائر فقد وعيت على إعادة فرشه أكثر من 5 مرات على يديه وكذلك المصاحف التي يأتي بدفعة بها كل 4 سنوات حتى أصبح عدد المصاحف أكثر من عدد سكان الحائر! ولن أنسى تلك المظلة التي بناها لنصلي خارج المسجد تحت ظلالها وهو ما كنا نفعل حتى احترقت الفرش من الشمس وتوقفنا عن ذلك.

في فصل الشتاء أعيش لحظات خيالية حينما يفتح عمي مجلس الشعر أو كما نقول لها الخيمة ونأتي بالحطب والجاز لإشعال النار في الموقد بعد كل صلاة مغرب، كانت أحاديث عمي لا تمل وحديثه عن جدي أبو زياد من سؤال وتفقد أو حتى لذكريات ومغامرات كانت معه، أذكر فنجان عمي الكبير المميز عن بقية الفناجيل وهنا لطالما أنبني على عدم ملء فنجاله مما يعارض ما تربينا عليه.

أول عشرين ريال رأيتها هدية كانت من عمي فخالد ابن عمي يذهب إلى نفس مدرسة والدي ومرة قد تأخر خالد عنا فأمرني والدي عن أسأل عنه في البيت ولحظة دخولي البيت إذ رأيت عمي فأخرج لي 20 ريال كانت أعظم ثروة رأيتها آنذاك، ولم تكن تلك أولى أو أُخرى هدايا عمي غير المنقطعة.

لم أظن يوماً أني سأرى عمي دون نشاطه المعتاد فقد قضيت عمري بالحائر أراه كل صبيحة نهار ومساء ليل ولكن في دنيانا دوام حالها محال كلما كبرت رأيت عمي يشيخ أكثر فأكثر وكانت نقطة الفصل توقفه عن قيادة السيارة بنفسه وتحول من الفورشينر إلى الرافور البيضاء هنا بدأت أرى ضعف عمي وكبر السن في عينه الذي لم أتمناه يوماً فهو السباق لصلاة الجماعة كم كان الحدث قاسياً علي حينما بدأ يتخلف عن بعض الصلوات لكبره ولتعذر وصوله للمسجد ثم تفرقت جماعة المسجد فمحمد وخالد ابنا عمي خرجا من الحائر ولم يتبقى لنا من الجماعة إلا سعد ابن عمي وعمي نفسه، إلى أن انقطع عن الصلاة في المسجد وكأن المسجد فقد ركناً من أركانه بقي ذاك الكرسي الأبيض الذي نرى عمي قبيل كل صلاة جالساً عليه متصدراً المسجد خاوياً صوت طرق عصاه المميز من بعيد اختفى كانت مواساتي الوحيدة أن عمي لا زال يفتح أبواب خيمته ويرحب بنا ولكن السنين تمضي ولا ترحم أتى الزهايمر وأتت كورونا فحالتنا عن عمي ولم يعد يتذكرنا، كان الحزن يعصف بجوفي حينما رأيته بعد كورونا بذاك الجسم الهزيل والنحيف والذي لم يتعرف علي ولا على أخوتي.

كفى بالموت عضة هذا ما خطر ببالي وأنا أرى الجمع الغفير يبدأ بدفن جثمانه تسمرت أمام قبره وخاطرة من الذكريات تعصف بداخلي وتأنبني على عدم عيادتي له في آخر عمره.

رحم الله عمي حمد وغفر له وأسكنه الفردوس الأعلى.

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انتهى عصر البرمجة؟!

دلــــــــــة

تقرير عن معرض المدن الذكية بالعاصمة الرياض 2024

صورتي
صالح الحقيل
المجمعة, الرياض, Saudi Arabia
باحث عن المعرفة، عالم بيانات وقارئ متواضع، وذو قلم كسول. مهتم بالاقتصاد والتقنية. تغريداتي ما هي إلا إنعكاس لآرائي ووجهات نظري الخاصة.